15/08/2020 - 22:47

حوار | تعريف اللاسامية يهدف إلى تكميم أفواه مناوئي إسرائيل وتوفير الشرعية لجرائمها

خلدون البرغوثي: التعريف الجديد للاسامية يجعل أي انتقاد لإسرائيل والصهيونية جريمة يعاقب عليها القانون | إسرائيل تحاول نزع أهم سلاح من الفلسطينيين في مواجهة نظام الأبرتهايد | غياب فلسطيني وعربي رسمي عن هذه الجبهة يترك بعض الناشطين لوحدهم في المعركة

حوار | تعريف اللاسامية يهدف إلى تكميم أفواه مناوئي إسرائيل وتوفير الشرعية لجرائمها

نشاط احتجاجي لحركة BDS في برلين (أ ف ب)

خلدون البرغوثي:

  • التعريف الجديد للاسامية يجعل أي انتقاد لإسرائيل والصهيونية جريمة يعاقب عليها القانون
  • إسرائيل تحاول نزع أهم سلاح من الفلسطينيين في مواجهة نظام الأبرتهايد
  • غياب فلسطيني وعربي رسمي عن هذه الجبهة يترك بعض الناشطين لوحدهم في المعركة

صادق البرلمان الفرنسي في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، بأغلبية ساحقة، على مشروع قرار لمحاربة اللاسامية، ليتبنى بموجبه تعريف اللاسامية للقوة التنفيذية الدولية "آي. إتش. آر. ايه"، المسمى العملي لمعاداة السامية، وهو تعريف يعتبر مناهضة الصهيونية لاسامية.

وبموجب القرار يصبح مجرد انتقاد وجود دولة إسرائيل بصفتها تجمعًا لمواطنين يهود بمثابة كراهية للمجتمع اليهودي بشكل عام، كما إلقاء المسؤولية على اليهود بشكل جماعي عن أفعال السلطات الإسرائيلية، سيعتبر ضربًا من ضروب اللاسامية.

التعريف الذي يهدف إسكات كل الأصوات المناهضة للصهيونية وللاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في أوروبا وأميركا، لم يتوقف عند قرار البرلمان الفرنسي، بل يجري تعميمه واستخدامه كسلاح ضد المناوئين لإسرائيل ومحاولات نزع الشرعية عنها من قبل حركة المقاطعة الدولية (BDS) وغيرها من التيارات والشخصيات المناوئة للاحتلال الإسرائيلي، من يهود وغير يهود في أوروبا وأميركا.

الباحث خلدون البرغوثي الذي تتبع في رسالته لنيل شهادة الماجستير "استخدام مناهضة السامية كتهمة لمنع انتقاد ممارسات إسرائيل بحق الفلسطينيين"، رصد استخدامًا مبكرًا لهذه الثنائية التي توازي بين اللاسامية ومعاداة الصهيونية، بدأت منذ عام 1943 من قبل دافيد بن غوريون في سياق تعليقه على قرار محكمة بريطانية بشأن تورط قادة صهيونيين في تهريب السلاح للحركة الصهيونية؛ وقال فيه إنه من الآن فصاعدًا، أن تكون مناهضًا للصهيونية يعني أن تكون مناهضًا للسامية.

مظاهرة للمطالبة بالإفراج عن منسق BDS في الضفة، محمود نواجعة (أ ب)

كما أشار البرغوثي إلى مقال نشره وزير الخارجية الإسرائيلية في السبعينيات، أبا إيبان، عام 1973 استخدم فيه مصطلح مناهضة السامية الجديدة في سياق الدفاع عن إسرائيل، إذ كتب "إن مناهضة السامية الكلاسيكية القديمة أعلنت أن المساواة في الحقوق هي لكل الأفراد داخل المجتمع باستثناء اليهود، ومناهضة السامية الجديدة تقول إن الحق في إنشاء دولة ذات سيادة مستقلة وطنية وحمايتها هو من اختصاص جميع الدول، طالما أنها ليست يهودية".

أما نقطة التحول المفصلية، والتي بدأ يتبلور على أثرها ما سمي بالتعريف العملي لمناهضة السامية الذي يقرنها بانتقاد الصهيونية وإسرائيل، فحدث كما يقول البرغوثي بعد مؤتمر الأمم المتحدة ضد العنصرية في ديربن في جنوب أفريقيا عام 2001، والذي شكل صدمة لإسرائيل بسبب الانتقادات الشديدة التي وجهها لها، والذي وصفته المحاضرة في جامعة تل أبيب، البروفسور دينا بورات، على أنه "واحد من أسوأ مظاهر مناهضة اليهود منذ الحرب العالمية الثانية".

حول البحث وما يسمى "التعريف العملي للاسامية" الذي يضع كراهية اليهود وانتقاد الصهيونية وإسرائيل في سلة واحدة، ويشكل سيفًا مسلطاً على كل مناوئي الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، في أوروبا وأميركا، كان هذا الحوار مع خلدون البرغوثي.

"عرب 48": ما هو المقصود بالتعريف العملي للاسامية؟

خلدون البرغوثي

البرغوثي: هو مشروع تعريف قيد التطوير بدأت صياغته عام 2005 من قبل "المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية ورهاب الأجانب"، ويجري التعامل معه ضمن الاستخدامات العملية ويسمى مناهضة السامية الجديدة، ويقوم على توسيع فكرة معاداة السامية الكلاسيكية (كره اليهود لكونهم يهودًا) لتشمل انتقاد ومناهضة إسرائيل والصهيونية.

ورغم أن الموقف الرسمي لوكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية يرى في هذا التعريف ورقة تاريخية وليست قانونية، وقيام "المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية ورهاب الأجانب" بسحبه من موقعه الإلكتروني، إلا أنه جرى تبنيه من قبل وزارة الخارجية الأميركية التي أضافت إليه محددات أخرى، ومن قبل برلمانات أوروبية أهمها البرلمان الفرنسي.

ولا تزال المنظمات الصهيونية وإسرائيل تسعى إلى تعميم هذا التعريف على دول الاتحاد الأوروبي، ويمكن القول إن الحرب سجال بينها وبين المنظمات الفلسطينية والمؤيدة للفلسطينيين وعلى رأسها حركة "بي. دي إس" التي تدعو لمقاطعة إسرائيل.

"عرب 48": وهناك نجاحات في تعميم هذا التعريف واستخدامه لإسكات المناوئين لإسرائيل وممارساتها الاحتلالية؟

البرغوثي: نعم، ولكن الحرب سجال كما ذكرت، ففي فرنسا كانت سابقة أن تقوم المحكمة العليا بتجريم مقاطعة إسرائيل واعتبارها ممارسة عنصرية ضد دولة، علمًا أن القانون الدولي يجيز مقاطعة دولة معينة أو فرض الحصار عليها بسبب ممارسات سياسية أو عسكرية معينة، وقد نقضت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية قبل شهرين تقريبًا قرار المحكمة العليا الفرنسية، وحكمت لصالح كل من أدين في فرنسا ضمن قرارها.

وفي ولاية كاليفورنيا الأميركية، أقر قانون بقطع التمويل عن كل الجامعات الرسمية إذا مورست فيها نشاطات قد تثير معاداة السامية ضد الطلاب اليهود، علمًا أن جامعة كاليفورنيا هي مركز للنشاطات المؤيدة للحقوق الفلسطينية والتي يشارك فيها يهود أيضًا المؤيدين للحقوق الفلسطينية.

نص القانون المذكور تبنى تعريف معاداة السامية العملي أو ما بات يسمى الآن بتعريف "المنتدى لإحياء ذكرى الهولوكوست" بالكامل، حيث استعار فقرات كاملة من التعريف وأدخلها في نص القانون بغرض الدفاع عن إسرائيل، وقمع من ينتقدها وكبح النشاطات المؤيدة للفلسطينيين، لكن رئيس الجامعة المختص بالتعديل الثاني الذي يحمي حق حرية التعبير في الولايات المتحدة، قال إن ن هذا القرار غير قانوني ولن يسمح بتطبيقه على الجامعة لأنه يتعارض مع الدستور الأميركي.

"عرب 48": ولكن إسرائيل تحاول تعميم هذا التعريف على دول الاتحاد الأوروبي وإلى تبنيه من الاتحاد، ونحن نعرف الحرب التي شنتها على الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني، جيرمي كوربن، وبعض قادة الحزب واتهامها لهم باللاسامية؟

البرغوثي: هم حاولوا إدخال التعريف أيضًا ضمن الأمم المتحدة ويبذلون جهودًا غير بسيطة لتعميمه عالميًا، خصوصًا في ظل محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل التي تقوم بها حركة المقاطعة "بي. دي. أس"، ونحن نعرف أن إسرائيل أنشأت وزارة خاصة لهذا الغرض هي وزارة الشؤون الإستراتيجية ورصدت ميزانيات ودربت كوادر لخوض هذه الحرب.

وفي مطلع العام الجاري عقدت إسرائيل مؤتمرًا دوليًا لإحياء ذكرى الهولوكوست في القدس، بحضور 40 رئيس دولة ورئيس حكومة ومندوب دولي، وكان من ضمن قرارات المؤتمر الدعوة لتبني هذا التعريف، ما يشير الى أهميته كسلاح في وجه منتقدي إسرائيل والصهيونية. في المقابل، نرى أن مفكرين عالميين ويهود مثل، نعوم تشومسكي وداني فنكلشتاين وريتشارد فولك، طالما كتبوا عن هذا التعريف وآلية استخدامه فقط كأداة لإسكات أصوات منتقدي إسرائيل.

"عرب 48": وما هو الدور الفلسطيني في هذه المعركة، إن جاز التعبير؟

البرغوثي: فلسطينيًا، غياب رسمي عن هذا الميدان، حتى أن الأستاذ المناقش لرسالة الماجستير قال لي إنه لم يجد مراجع عربية عن الموضوع نهائيًا، لكن الناشطين الفلسطينيين الذين يعيشون في الدول الأوروبية والولايات المتحدة منخرطين إلى جانب ناشطين يهود ودوليين في هذه "المعركة"، التي تدور رحاها في أوروبا وأميركا أساسًا.

"عرب 48": إسرائيل تسعى إلى نزع أهم سلاح من الفلسطينيين في مرحلة تقونن فيه نظام الفصل العنصري في فلسطين، وهو سلاح المقاطعة ونزع الشرعية عنها دوليًا، والذي حارب به الجنوب أفريقيون وانتصروا على نظام الأبرتهايد؟

البرغوثي: من الطبيعي أن يترافق تصاعد الفعل الإسرائيلي باتجاه تأسيس نظام أبرتهايد بردود فعل شعبية ورسمية على المستوى العالمي، وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي عامة وبعض دوله بشكل خاص عدة خطوات على هذا الصعيد في مقاطعة منتوجات المستوطنات، فيما تزداد المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل من قبل جامعات أميركية وأوروبية، إلى جانب المقاطعة الثقافية والفنية من قبل العديد من الفنانين العالميين.

ومن دون شك، فإن هذه الخطوات تشكل مصدر قلق لإسرائيل التي تسعى في سبيل محاربتها إلى شيطنة حركة "بي. دي. إس" وتجريم المقاطعة، ولطالما استخدمت الهولوكوست ومعاداة السامية و"كراهية اليهود" سلاحًا في وجه خصومها، ومن أجل الفوز في هذه المعركة الدولية الهامة، التي يخوضها أمامها بجدارة مجموعة من الناشطين الفلسطينيين واليهود والدوليين.

وهي تستخدم التعريف الجديد لمعاداة السامية الذي يربط بين معاداة اليهود كعرق وبين معاداة وانتقاد إسرائيل والصهيونية، بشكل يحول أي انتقاد لجرائم الاحتلال إلى شكل من أشكال معاداة اليهود التي يعاقب عليها القانون.

وعلى سبيل المثال، فقد جرى في فرنسا ملاحقة القناة الفرنسية الثانية واتهامها بنشر "فيديو مفبرك" على حد ادعائهم، وهو الفيديو الذي يوثق قتل الشهيد محمد الدرة عام 2000 من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

لقد جرى ربط قتل إسرائيل لطفل فلسطيني بمعاداة السامية وحملة ضد اليهود في العالم، وقد استمرت هذه القضية ما يقارب العشر سنوات في المحاكم الفرنسية، قبل أن يجري البت فيها عام 2012 لصالح القناة الثانية الفرنسية.

بمعنى أن النشطاء الصهاينة من شأنهم أن يلاحقون المتعاطفين مع النضال الفلسطيني في أكثر القضايا عدلا، تحت ذريعة معاداة السامية ويحولون المجرم إلى ضحية، في حين أن الغياب الفلسطيني والعربي عن هذه الجبهة يترك بعض النشطاء لوحدهم في ساحة المواجهة، ويجعل إسرائيل تحقق المزيد من النجاح في موضوع تجريم انتقاد ممارساتها الاحتلالية والاستيطانية وجرائمها ضد الفلسطينيين.


*خلدون البرغوثي: صحافي وباحث في الشأن الإسرائيلي، حاصل على درجة البكالوريوس في الإعلام من جامعة بير زيت ودرجة الماجستير في الدراسات الإقليمية – الدراسات الإسرائيلية من جامعة القدس/ أبو ديس، وهو محرر في صحيفة "الحياة الجديدة" – رام الله، ومعد برنامج "ملخص الصحافة العبرية" في إذاعة أجيال – رام الله .

التعليقات